يُعد إصلاح الأنظمة التربوية ضرورة حتمية لمواكبة التطورات العالمية المتسارعة وتلبية الاحتياجات المتغيرة للمجتمع وسوق العمل.
إن التحول من المقاربة بالأهداف إلى المقاربة بالكفاءات لم يكن مجرد تغيير منهجي، بل كان استجابة استراتيجية لتحديات عالمية ومحلية. المقاربة التقليدية، القائمة على الأهداف، ركزت على المعرفة المجزأة والسلوكات القابلة للملاحظة، مما أدى إلى علاقة ميكانيكية بين المثير والاستجابة، وتشتت في البنية العقلية للتلميذ، وعدم قدرة المكتسبات المدرسية على حل مشكلات الحياة اليومية.
تبنت الجزائر المقاربة بالكفاءات في إطار إصلاح شامل لمنظومتها التربوية منذ العام الدراسي 2003/2004، بهدف تحديث التعليم ومواجهة متطلبات العولمة.
تُعرف المقاربة بالكفاءات بأنها مقاربة تعليمية ترتكز على أهداف معلن عنها في صيغة كفاءات يتم اكتسابها، مع وضع التلميذ في محور العملية التعليمية.
تتضمن الكفاءة مجموعة من المعارف والقدرات والمهارات التي تؤهل المتعلم.
المقاربة بالكفاءات ليست مجرد مصطلح بيداغوجي، بل هي فلسفة تربوية متكاملة تستمد قوتها من مزيج من النظريات النفسية والاجتماعية، مما يجعلها أكثر شمولية وتكيفًا من سابقاتها. تعود الأصول النظرية لبيداغوجيا الكفاءات إلى المذهب النفعي الذي يتزعمه المربي الأمريكي "جون ديوي"، والذي يرى أن قيمة المعرفة تتحدد بمقدار ما تحققه من فائدة ونفع عملي.
تستند المقاربة بالكفاءات إلى عدة نظريات في علم النفس التربوي، منها:
النظرية السلوكية: تركز على أن التعلم يحدث نتيجة سلسلة من المثيرات والاستجابات، وتهتم بالسلوك الناتج عن التعلم. وتؤكد على صياغة أهداف تعليمية دقيقة تصف سلوكات قابلة للملاحظة، وتقسيم المحتوى الدراسي إلى وحدات تعليمية صغيرة.
النظرية المعرفية: تهتم بالعمليات الذهنية التي تتدخل في تنظيم التعلم وتحصيله، وتعتبر أن التمشيات العقلية للمتعلم هي التي تتدخل في تحصيل المعرفة. تسعى إلى نمذجة العمليات الذهنية لفهم كيفية استقبال المعلومات ومعالجة الرموز وحفظها واسترجاعها.
النظرية البنائية: من روادها جان بياجيه، وتؤكد على أن المعرفة تنتج من أعمال حقيقية يقوم المتعلم باستنتاجها، وتركز على الدور النشط للمتعلم في عملية تعلمه. كما تؤكد على التعلم ذي المعنى القائم على الفهم، وتفترض أن الفرد يبني المعرفة اعتمادًا على خبرته الخاصة.
البنائية الاجتماعية: من روادها فيجوتسكي، وتذهب إلى أن بناء المعرفة يحدث من خلال التفاعل الاجتماعي الذي يلعب دورًا فعالًا في تطور السيرورة الذهنية للمتعلم. تركز على مبدأ التفاعلية والمكون الاجتماعي، حيث الفكر والوعي هما حصيلة الأنشطة التي ينجزها المتعلم مع المحيطين به، وتؤكد على التعلم التعاوني.
تُشير المقاربة بالكفاءات إلى "معرفة كيفية التصرف" (know-how to act) التي تُجنّد مجموعة من القدرات والمهارات والمعارف وتوظفها بفعالية في وضعيات مشكلة مختلفة.
إن هذا الأساس النظري المتعدد الأوجه للمقاربة بالكفاءات يشير إلى محاولة بناء إطار تربوي أكثر قوة وقابلية للتكيف، يعالج أوجه القصور في المقاربات السابقة التي كانت أكثر فردية. من خلال الاستفادة من نظريات متعددة، تهدف المقاربة بالكفاءات إلى تعزيز التطور الشامل للمتعلم، لا يقتصر على الجوانب المعرفية فحسب، بل يشمل أيضًا التطبيق العملي، وحل المشكلات، والتفاعل الاجتماعي. هذا الأساس النظري الواسع يوفر إمكانات أكبر للمرونة والتكيف في سياقات تعليمية متنوعة، حيث يمكنه استيعاب أنماط التعلم والاحتياجات المختلفة.
الكفاءة تتجاوز مجرد المعرفة النظرية والمهارة المنفصلة لتصبح قدرة على التجنيد الفعال للموارد في سياقات معقدة. فالكفاءة ليست مجرد تراكم لمعلومات معزولة أو إتقان لمهارات منفصلة، بل هي القدرة على الأداء
ماذا يتم تعلمه إلى كيف يتم تطبيقه ولماذا هو مهم. وهذا له آثار عميقة على تصميم المناهج، وأساليب التدريس، والتقويم، ويتطلب الابتعاد عن المحتوى المجزأ والتعلم القائم على الحفظ.
تسعى المقاربة بالكفاءات إلى تحسين مستوى التدريس وإصلاح التعليم والرفع من قيمته، وجعله مواكبًا للتطورات الراهنة.
الأهداف المعلنة للمقاربة بالكفاءات في الجزائر تعكس طموحًا كبيرًا لتحويل جذري في فلسفة التعليم، من التركيز على المدخلات إلى التركيز على المخرجات، ومن التلقين إلى التمكين. هذه الأهداف تمثل تحولًا واضحًا عن النموذج التقليدي الذي ركز على "نقل المعرفة" و"اكتساب المحتوى".
ما يمكن للطلاب فعله
ما يعرفونه. وهذا يعني تحولًا من نموذج المتلقي السلبي إلى متعلم نشط، قادر على حل المشكلات وذاتي التوجيه.
تتمثل الأهداف الخاصة بالمتعلم فيما يلي:
الانتقال بالمتعلم من إدراك المفاهيم المعرفية إلى توظيفها في الحياة العامة: تمكين المتعلم من تطبيق المعارف والمفاهيم التي يكتسبها في سياقات حياتية واقعية، بدلاً من مجرد حفظها أو فهمها نظريًا.
تكوين التلاميذ وإكسابهم الكفاءات الضرورية للتكيف مع المحيط: إعداد التلاميذ وتزويدهم بالكفاءات اللازمة للتكيف مع مختلف أبعاد المحيط الاجتماعي، الثقافي، السياسي، والاقتصادي. يهدف هذا إلى تفعيل دور المدرسة وتأثيرها الإيجابي في المجتمع، وتمكينها من مواجهة تحديات العصر.
فسح المجال أمام طاقات المتعلم وقدراته: إطلاق العنان لإمكانيات المتعلم الكامنة وتنميتها.
تدريب المتعلم على كفاءات التفكير والربط بين المعارف: تدريب المتعلم على مهارات التفكير النقدي والتحليلي، وكيفية ربط المعارف المختلفة لمساعدته على حل المشكلات التي تواجهه.
تجسيد الكفاءات المكتسبة في الواقع: أن يطبق المتعلم الكفاءات التي اكتسبها في مواقف حقيقية وعملية.
تمكين المتعلم من الوصول إلى نظرة شاملة للأمور المحيطة به: تطوير قدرة المتعلم على فهم الأمور من منظور واسع ومتكامل.
تعزيز استقلالية المتعلم ومسؤوليته عن تعلمه: المقاربة بالكفاءات تجعل المتعلم محور التعلم ومسؤولاً عنه، وتسمح له بالتعلم بوتيرته الخاصة، مما يعزز قدرته على توجيه مساره التعليمي.
تحقيق العدالة في التعليم: من خلال توفير الدعم والوقت الكافي للطلاب لإتقان الكفاءات، مما يفيد الطلاب ذوي الاحتياجات التعليمية الخاصة ويضمن إتقان الجميع للمعرفة والمهارات، بغض النظر عن خلفياتهم أو تجاربهم التعليمية السابقة.
هذه المجموعة الطموحة من الأهداف تشير إلى أن صانعي السياسات الجزائريين لم يسعوا فقط إلى تحسينات تدريجية، بل إلى تحول نموذجي جوهري في التعليم. الهدف هو تخريج أفراد "أكفاء وظيفيًا"
تركيز التعليم، ستتحسن جودة رأس المال البشري بشكل طبيعي. ومع ذلك، فإن تحقيق هذه الأهداف الطموحة يتطلب تقييمًا واقعيًا للبنية التحتية التعليمية الحالية والسياق الثقافي في الجزائر.
تبنت الجزائر المقاربة بالكفاءات كإصلاح تربوي جديد منذ العام الدراسي 2003/2004.
صدرت المناهج الجديدة كمرجعيات بيداغوجية تهدف إلى ترجمة المقاربة بالكفاءات إلى واقع عملي.
لإدراك الفروقات الجوهرية التي دفعت الجزائر لتبني المقاربة بالكفاءات، يمكن مقارنتها بالمقاربة بالأهداف التي سبقتها:
جدول 1: مقارنة بين المقاربة بالأهداف والمقاربة بالكفاءات
| المعيار | المقاربة بالأهداف | المقاربة بالكفاءات |
| التركيز الرئيسي | تجزئة المحتوى والمعارف | إدماج المعارف والمهارات وتوظيفها |
| طبيعة المعرفة | تراكم المعارف النظرية المجزأة | توظيف المعرفة في وضعيات مشكلة وحياتية |
| دور المتعلم | متلقٍ سلبي للمعلومات | محور العملية التعليمية، نشط وفاعل ومسؤول عن تعلمه |
| دور المعلم | ناقل للمعرفة ومسيطر على النشاط | ميسر، مرشد، ومصمم لوضعيات التعلم |
| طبيعة الأهداف | أهداف إجرائية جزئية وقصيرة المدى | كفاءات ختامية، قاعدية، وعرضية، ذات طابع وظيفي |
| التقويم | كمي، يركز على النتائج وحفظ المحتوى | نوعي، يركز على الأداء وتطبيق الكفاءات في سياقات معقدة |
| التكيف مع الواقع | ضعف الربط بالواقع وعدم القدرة على حل المشكلات الحياتية | ربط المعارف بالحياة الواقعية وإعداد المتعلم لمواجهة التحديات |
على الرغم من الأهداف الطموحة والإطار النظري المتين للمقاربة بالكفاءات، يواجه تطبيقها في التعليم الثانوي الجزائري العديد من التحديات والمعوقات التي تؤثر على فعاليتها.
الصعوبات المتعلقة بالمعلمين:
نقص التكوين المهني الكافي وغير الفعال: يفتقر العديد من المعلمين إلى الوعي الكافي بالمقاربة بالكفاءات، ويرجع ذلك أساسًا إلى التدريب غير الكافي أو غير الفعال.
عدم فهم المقاربة واستيعاب مفاهيمها الأساسية: يجد المعلمون صعوبة في فهم المقاربة بالكفاءات في حد ذاتها وعدم استيعاب المفاهيم الأساسية التي تقوم عليها، مما يؤثر على قدرتهم على تطبيقها بفعالية.
استمرار الاعتماد على الطرق التقليدية: على الرغم من تبني المقاربة بالكفاءات، لا يزال المعلمون يميلون إلى استخدام الأساليب التقليدية القائمة على التلقين ونقل المعرفة، بدلاً من المنهجيات المتمحورة حول المتعلم والتعلم النشط.
مقاومة التغيير: يمثل عدم تقبل المعلمين والمتعلمين للتغيير أو عدم حماسهم له تحديًا كبيرًا أمام تطبيق المقاربة.
عدم قدرة المعلمين على تحقيق التكامل بين التعليم النظري والتطبيقي: يواجه المعلمون صعوبة في دمج المعارف والاتجاهات في حل المشكلات، مما يحد من قدرة الطلاب على تطبيق ما تعلموه في سياقات واقعية.
التحديات المرتبطة بالبيئة التعليمية:
اكتظاظ الأقسام: يؤدي حجم الفصول الدراسية الكبير إلى إعاقة تطبيق المقاربة بالكفاءات التي تتطلب عملًا جماعيًا وتفاعلاً فرديًا بين الطلاب والمعلم.
ثقل المناهج الدراسية: المناهج كثيفة المحتوى، مما يحد من الوقت المتاح للأنشطة التطبيقية والتعلم المتعمق، ويجعل المعلمين يركزون على إنهاء المقرر بدلاً من تنمية الكفاءات.
نقص الموارد والإمكانيات المادية: تفتقر المؤسسات التربوية إلى الوسائل اللازمة لتنشيط وضعيات التعلم وفق المناهج الجديدة، مثل المختبرات والمكتبات والموارد التعليمية الكافية.
عدم مراعاة خصوصيات وميول المتعلمين: تُفرض الكفاءات في بعض الأحيان ولا تُختار بناءً على احتياجات الطلاب، مما يؤدي إلى نقص التمركز حول المتعلم ويقلل من دافعيتهم للتعلم.
غياب الدعم الكافي من العائلة: تُشير بعض الدراسات إلى أن متابعة العائلة الجادة لأطفالها تزيد من إنجاح المقاربة، وبالتالي فإن نقص هذا الدعم يمثل تحديًا.
مشاكل التقويم والامتحانات الرسمية (البكالوريا):
عدم ملاءمة التقويم للمقاربة بالكفاءات: لا يزال التقويم الرسمي، مثل امتحان البكالوريا، يركز على المحتوى النظري وتجزئة المعرفة، ولا يقيس بشكل فعال الكفاءات والمهارات العليا مثل التفكير النقدي وحل المشكلات.
قلة المؤشرات في الامتحانات الرسمية: لا تغطي الأسئلة في الامتحانات الرسمية جميع الكفاءات المستهدفة، مما يجعل الامتحان عاجزًا عن بلوغ كل الأهداف الإجرائية وتحديد مستوى الكفاءة الحقيقي للمتعلم.
التركيز على المستويات العقلية الدنيا: تركز الاختبارات بشكل عام على المستويات العقلية الدنيا (مثل الحفظ والاسترجاع) بدلاً من المستويات العليا (مثل التحليل والتركيب والتقييم).
الامتحان الموجه بالمحتوى (Content-based baccalaureate exam): يؤثر هذا النوع من الامتحانات سلبًا على تطبيق المقاربة بالكفاءات، حيث يركز المعلمون والطلاب على حفظ المحتوى لاجتياز الامتحان بدلاً من تطوير الكفاءات المطلوبة.
إن تنظيم هذه التحديات المتنوعة في فئات منطقية (تتعلق بالمعلم، بالبيئة التعليمية، وبالتقويم) يوفر فهمًا أوضح وأكثر تنظيمًا للمشكلات النظامية. هذا يسمح بتحليل أعمق للترابط بين هذه المشكلات؛ على سبيل المثال، كيف أن ضعف التدريب يؤدي إلى الاعتماد على الأساليب التقليدية، وهو ما يتفاقم بسبب الفصول الدراسية المكتظة والامتحانات التي تركز على المحتوى. يوضح هذا التنظيم أن الفشل في التطبيق الفعال ليس بسبب عامل واحد، بل هو نتيجة لتفاعل معقد بين عناصر مختلفة.
جدول 2: التحديات الرئيسية لتطبيق المقاربة بالكفاءات في التعليم الثانوي الجزائري
| فئة التحدي | التحديات المحددة | الآثار المحتملة |
| المعلمون | نقص التكوين المهني الكافي وغير الفعال | ضعف فهم المقاربة وتطبيقها |
عدم فهم المقاربة واستيعاب مفاهيمها الأساسية | استمرار الفجوة بين النظرية والتطبيق | |
استمرار الاعتماد على الطرق التقليدية | تقييد تطوير مهارات المتعلم العليا | |
مقاومة التغيير | بطء وتيرة الإصلاح التربوي | |
عدم القدرة على تحقيق التكامل بين التعليم النظري والتطبيقي | عدم قدرة الطلاب على تطبيق المعارف في الحياة الواقعية | |
| البيئة التعليمية | اكتظاظ الأقسام | صعوبة تطبيق الأنشطة التفاعلية والتعلم التعاوني |
ثقل المناهج الدراسية | التركيز على الكم على حساب الكيف وتنمية الكفاءات | |
نقص الموارد والإمكانيات المادية | إعاقة تنفيذ الأنشطة التطبيقية والابتكارية | |
عدم مراعاة خصوصيات وميول المتعلمين | نقص التمركز حول المتعلم وتراجع دافعيته | |
ضعف الدعم من العائلة | تراجع فعالية المقاربة خارج البيئة المدرسية | |
| التقويم | عدم ملاءمة التقويم للمقاربة بالكفاءات (البكالوريا) | عدم قياس الكفاءات الحقيقية وتوجيه التعلم نحو الحفظ |
قلة المؤشرات في الامتحانات الرسمية | عجز الامتحان عن بلوغ الأهداف الإجرائية للكفاءات | |
التركيز على المستويات العقلية الدنيا | إهمال تنمية التفكير النقدي وحل المشكلات |
على الرغم من التحديات القائمة، توفر المقاربة بالكفاءات فرصًا وإمكانيات كبيرة لتحسين جودة التعليم الثانوي في الجزائر، إذا تم تطبيقها بفعالية.
دور المقاربة في إعداد متعلمين أكفاء وظيفياً:
تهدف المقاربة بالكفاءات إلى إعداد خريجين أكفاء وظيفيًا (functionally literate graduates) قادرين على استخدام ونقل المهارات والمعارف المكتسبة في المدرسة إلى سياقات العالم الحقيقي.
تعزيز مهارات التفكير النقدي وحل المشكلات:
تُدرّب المقاربة بالكفاءات المتعلم على كفاءات التفكير والربط بين المعارف لمساعدته على حل المشكلات.
تنمية التعلم الذاتي والمسؤولية:
تضع المقاربة بالكفاءات المتعلم في مركز عملية التعلم، مما يعزز استقلاليته ويجعله مسؤولاً عن تقدمه التعليمي.
تحسين جودة المخرجات التعليمية:
أظهرت نتائج تطبيق المقاربة بالكفاءات في بعض الدول الأفريقية تحسنًا ملحوظًا في إتقان المحتويات المدرسية، وزيادة في العدالة والفعالية التعليمية.
تُشجع المقاربة على تنمية المهارات العرضية (interdisciplinary skills) مثل التحليل، وحل المشكلات، والتفكير النقدي، وهي مهارات أساسية للنجاح في الحياة والعمل.
تُعد المقاربة بالكفاءات شاملة، مما يسمح باستخدام أساليب تدريس تتمحور حول المعلم والمتعلم على حد سواء.
لتحقيق الأهداف المرجوة من المقاربة بالكفاءات والتغلب على التحديات القائمة، يمكن تقديم التوصيات التالية:
تكوين المعلمين وتأهيلهم المستمر:
ضرورة تعزيز برامج التكوين المستمر للمعلمين وتطويرها لتكون أكثر فعالية وعملية، مع التركيز على التحديات الواقعية التي يواجهونها في الفصول الدراسية.
إعادة النظر في برامج التكوين في المدارس العليا للأساتذة والجامعات لضمان إعداد المعلمين إعدادًا علميًا ومهنيًا بمستوى عالٍ من الكفاءات.
دعم إنجازات المعلمين وتحفيزهم على الإبداع وتبني الأساليب البيداغوجية الحديثة.
مراجعة المناهج والبرامج الدراسية:
تقليص ثقل المناهج الدراسية ليتناسب مع الوقت المتاح، مما يسمح بتعميق التعلم وتطبيق الكفاءات بدلاً من التركيز على التلقين.
تحديد الكفاءات المستهدفة بشكل أكثر دقة ووضوح في المناهج والكتب المدرسية.
دمج أنشطة التعلم القائم على المشاريع وحل المشكلات بشكل فعال في الإطار المنهجي.
تطوير أساليب التقويم:
إعادة النظر في أساليب التقويم، بما في ذلك امتحان البكالوريا، ليتوافق مع مبادئ المقاربة بالكفاءات، ويركز على قياس الكفاءات والأداء بدلاً من مجرد المحتوى النظري.
استخدام طرق تقويم متنوعة تقيس المستويات العقلية العليا، مثل التحليل والتركيب والتقييم، بالإضافة إلى المعرفة النظرية.
توفير مؤشرات تقويمية واضحة وشاملة تغطي جميع الكفاءات.
توفير البيئة التعليمية الداعمة:
ضرورة تقليص عدد التلاميذ في الأقسام لتسهيل تطبيق الأنشطة التفاعلية والتعلم التعاوني.
توفير الموارد والإمكانيات المادية اللازمة، مثل المختبرات والمكتبات والتقنيات التعليمية الحديثة، لدعم تنفيذ المناهج القائمة على الكفاءات.
العناية بتكييف خطط التعليم وجعلها موافقة لعملية التعلم، وتدبير الوضعيات التعليمية التعلمية وحسن تسييرها.
تعزيز الشراكة بين المدرسة والأسرة والمجتمع:
إشراك العائلة والمجتمع في فهم المقاربة بالكفاءات ودعم تطبيقها، لضمان استمرارية التعلم وتوظيف الكفاءات خارج البيئة المدرسية.
دعم البحث التربوي:
تشجيع الدراسات والبحوث التقييمية المستمرة لواقع تطبيق المقاربة بالكفاءات في التعليم الثانوي الجزائري، لتحديد نقاط القوة والضعف وتقديم حلول مبنية على الأدلة.
لقد تبنت المنظومة التربوية الجزائرية المقاربة بالكفاءات كخيار استراتيجي لإصلاح التعليم، بهدف تجاوز قصور المقاربة بالأهداف وإعداد جيل من المتعلمين القادرين على توظيف المعارف والمهارات في سياقات حياتية ومهنية معقدة. تستند هذه المقاربة إلى أسس نظرية متعددة، تجمع بين المذهب النفعي والنظريات السلوكية والمعرفية والبنائية والاجتماعية، مما يمنحها شمولية وقدرة على التكيف. وتتمثل أهدافها الرئيسية في تمكين المتعلم من التفكير النقدي، وحل المشكلات، وتعزيز استقلاليته، وتحقيق العدالة التعليمية، وإعداده كمواطن فاعل في مجتمع دائم التغير.
على الرغم من هذه الأهداف النبيلة والإمكانيات الواعدة التي توفرها المقاربة بالكفاءات في تحسين جودة التعليم ومخرجاته، فإن تطبيقها في التعليم الثانوي الجزائري يواجه تحديات كبيرة. تتمحور هذه التحديات حول نقص التكوين الفعال للمعلمين وعدم استيعابهم الكامل للمقاربة، واستمرار الاعتماد على الطرق التقليدية، بالإضافة إلى قيود البيئة التعليمية مثل اكتظاظ الأقسام وثقل المناهج ونقص الموارد. كما أن عدم ملاءمة أنظمة التقويم، خاصة امتحان البكالوريا، لقياس الكفاءات الحقيقية، يمثل عائقًا رئيسيًا يحول دون تحقيق الأهداف المرجوة.
لتعزيز وتفعيل المقاربة بالكفاءات في التعليم الثانوي الجزائري، يوصى بما يلي:
تطوير شامل لبرامج التكوين المهني للمعلمين: يجب أن تركز هذه البرامج على الجانب العملي والتطبيقي، وتزويد المعلمين بالاستراتيجيات الديداكتيكية اللازمة لتطبيق المقاربة بفعالية، مع معالجة مفاهيمها الأساسية بعمق.
مراجعة وتحديث المناهج الدراسية: ينبغي تخفيف المحتوى الدراسي ليتناسب مع الزمن المخصص، مع التركيز على الكفاءات الأساسية والعرضية، وتشجيع الأنشطة القائمة على المشاريع وحل المشكلات.
إصلاح جذري لنظام التقويم: يجب أن تتواءم امتحانات البكالوريا مع مبادئ المقاربة بالكفاءات، وتقيس قدرة الطلاب على تطبيق المعارف والمهارات في وضعيات معقدة، بدلاً من التركيز على الحفظ.
توفير بيئة تعليمية داعمة: يتطلب ذلك تقليص أعداد الطلاب في الفصول، وتجهيز المؤسسات التعليمية بالموارد المادية والتكنولوجية اللازمة، وتوفير الدعم المستمر للمعلمين.
تعزيز الشراكة المجتمعية: يجب إشراك أولياء الأمور والمجتمع المدني في دعم العملية التعليمية وفهم أهداف المقاربة بالكفاءات، لضمان استمرارية التعلم خارج أسوار المدرسة.
إن معالجة هذه التحديات بشكل متكامل ومنهجي سيمكن الجزائر من تحقيق أقصى استفادة من المقاربة بالكفاءات، وتحويل نظامها التعليمي ليصبح أكثر ديناميكية ومرونة، قادرًا على إعداد أجيال مؤهلة لمواجهة متطلبات المستقبل وتحدياته.